شباب الثورة يرسم معالم صفحة جديدة في تاريخ تونس

تونس 1 مارس 2011 - ثورة الشبان الأحرار، أو ثورة الياسمين كما ارتأى بعض الأشقاء المشارقةتسميتها، هي دون شك لحظة فارقة في تاريخ البلاد بل ومرحلة مفصلية في تاريخ الإنسانية المعاصر، هيثورة اندلعت دون حراك سياسي ولا قيادة حزبية، فأسقطت نظاما فاسدا جثم طيلة سنوات عديدة علىصدور أبناء هذا الوطن العزيز.

المفارقة العجيبة في خضم كل هذه الأحداث أن الرئيس المخلوع أرادها سنة دولية للشباب، فكان له ما أراد،وكان شباب تونس في موعد مع التاريخ "ليرفعوا التحديات" وليكسبوا رهان الكرامة والانعتاق.

شباب تونس الذي حاولوا تمييعه بالفن الهابط والإعلام التعتيمي، وتخديره بإدمان متابعة مباريات كرةالقدم، وإبعاده كليا عن محيط السياسة الذي كان منذ سنوات عديدة ضربا من ضروب المسكوت عنه، انتفض فجأة انتفاضة الرجل الواحدرغم الجهاز القمعي المسلط، ولسان حاله يردد أهازيج إرادة الحياة التي نظمها شاعر الخضراء أبو القاسم الشابي منذ عقود....

أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في جسده ذات يوم غاضب في ربوع سيدي بوزيد، فألهب جذوة الحماس في صدور الملايين الذين لميعد بإمكانهم تحمل هذا الوضع التعيس الذي بات يعيش فيه شباب تونس، ثروات تنهب، وتأليه لشخص رئيس سخر بأنات شعب ضعيف،وجرذان تعيث في خيرات البلاد فسادا، فقر مدقع وتنمية جهوية متفاوتة، غياب شبه كلي للنزاهة في المعاملات وسياسة جائرة.. فتوحدتصفوف الملايين دون سابق إنذار منادية بإعادة الاعتبار لشعب تونس الأبيّ.

هي ثورة دوّنها شباب تونس بدمائه الزكية في دفاتر ثورات الحرية، فوقف العالم انبهارا وفخرا وإجلالا لهذا الشعب العظيم الذي  لم تثنهأسلحة قناصة الرئيس المخلوع عن رفع شعار "شغل....حرية...كرامة وطنية.." وكلما سقط شهيد في كل نقطة من البلاد من أقصاها إلىأقصاها كلما تعالت الأصوات منادية بعدم الرجوع خطوة إلى الوراء..

شباب تونس الذي ينظر الآن إلى قبضته، غير مصدق أنها أسقطت قبضة من حديد، أراد الحياة، فاستجاب القدر رغما عن أنوف قواتالجذب إلى الوراء، والمتملقين الذين عاثوا في البلاد فسادا، وانتهكوا كرامة أبناء شعبها، رسم  ثورة ذات معالم استثنائية، حيث لم يشهدالتاريخ ثورة تم توحيد صفوف جماهيرها عبر الصفحات الايلكترونية،  ومن دواعي الفخر أن أبناء تونس وظفوا معارفهم التكنولوجيةوالرقمية  لإنجاح  هذه الحركة الشعبية، متجاوزين بذلك الصمت المطبق لإعلامنا الوطني الذي كبح النظام السابق جماحه وفرض عليهأجندة إعلامية موجهة، كما كان شباب البلاد جندا في حماية الوطن من رواسب النظام السابق الذي ترك وراءه بعض الشوائب علّها تفسدفرحة شعب تونس بهذا الكسب العظيم.

تونس تخلصت اليوم من "تشاوسسكو العرب" وعائلته، وبعض أفراد حاشيته، في انتظار التخلص كليا من أذياله ورواسبه، وعلى أبناء هذاالوطن أن يعوا أن المضي في سبيل الديمقراطية الحقّ وبناء الغد المشرق لن يكون بين عشية وضحاها، والمطلب اليوم بات ملحا أكثر منأي وقت مضى في أن تتكاتف جهود المجموعة الوطنية لإعطاء هذا الشعب العظيم ما يستحقه من كرامة، فلا مجال للركوب على النجاحالمبدئي لهذه الانتفاضة، ولا مجال لإفراغ إنجازنا الرائع من أبعاده النبيلة.